تعودت أمي على الرمي بالمياه التي تغسل فيها الخضر والفواكه ، فوق الأغراس بالحافة اليمنى من الممر المؤدي إلى حظيرة المواشي .
نبتت في المكان عينه أنواع مختلفة من شتلات الخضر ، غير أن شتلة تختلف عن الأخريات ، أثارت انتباهي . فهي مشتدة العود ولونها الأخضر لا يشبه باقي تدرجات الأخضر في باقي النبتات .
كنت أعمد إلى إلقاء نظرة عليها كل صباح قبل التوجه إلى المدرسة وبعد العودة منها .وفي كل مرة تبدو لي قد ازدادت ارتفاعاً ، وكثر بها عدد الوريقات .
ذات زوال ، وأنا ألقي النظرة المعتادة على النبتة الخضراء ، اكتشفت أن ماعزتي المتهورة قد داست بحافرها جزءاً من التربة المحيطة بها ، وتسبب في تقشير جزء من ساقها .غضبت كثيراً لما أصاب النتبة ، وودت لو جررت الماعزة من أذنيها جراً ، لترى ما أقدمت عليها جراء رعونتها.
لم أجد غير الصراخ و الدموع ، أفرج بها عن غيظي وحنقي . ركضت نحو البيت ، أشكو مابي لأمي .سمعتْ أختي شكواي ،خلصتني من محفظتي الثقيلة ورغبة منها في مواساتي والتخفيف من غضبي ،أمسكتْ بمعصمي وقالت : " تعال ، لنر ما يمكننا فعله ، فالماعزة لن تصلح ما أفسده حافرها ."
جرتني خلفها وأنا أمسح دموعي وسيول أنفي ، وهي تسألني : " أرني أين هي نبتتك يا إبراهيم ؟ "
-" إنها هناك يبن شتلات الطماطم . هاهي ذي ."
- " يالجمالها ! إنها شتلة الليمون .وهي
لا تبدو في حال سيئة.لا تقلق ،سنتعاون على حمايتها ومعالجة ما لحقها من إتلاف.
انبسطت أسارير وجهي ، ومسحت دمعي بسرعة ، ثم سألت أختي : " هل حقاً ما تقولين يا شيماء ؟ هل نستطيع تضميد جرحها ؟؟"
ضحكت شيماء وأجابتني :" نعم سنضمد جراحها ، وسنعتني بها كما نعتني بجروحنا . لكن علينا أولاً أن نجد لها مكاناً مناسباً ، فمكانها هنا ضيق وسيعرضها مرات ومرات لدهس حوافرالدواب والماشية . "
-" حقا ؟؟ أيمكننا تغير مكانها ؟؟"
- "بكل تأكيد . تعال فقط نختر لها مكاناً مناسباً وآمناً . "
مارأيك أن نضعها هناك قرب البئر ؟؟ هكذا يسهل علينا ريها ، وتكون بعيدة عن الممر ."
- " ألن تتأذى بالمياه التي تملأ جوانب البئر عندما نجلب الماء منها ؟"
- " وهل تظننا سنغرسها على حافة البئر ؟؟؟"
ضحكتُ من جواب أختي ، وأجبت : " طبعاً لا ، معك حق فلنبادر إذن بنقلها إلى هناك ."
انحنيت على النبتة لأقتلعها ، فصرخت أختي : " ماذا تفعل يا إبراهيم ؟؟؟ "
- " مابك ياشيماء تصرخين ؟ أقتلع النبتة لننقلها إلى مكانها الجديد ."
- " وهل هكذا نقوم بنقل الشتلات إلى مكان آخر " أجابتني أختي والغضب يتطاير من عينيها .
- " كيف ذلك إذن ؟"
- " أحضر المعول والمجرفة !! سأجلب دلو ماء من البئر ."
- حسناً ، سنقوم الآن بحفر حفرة لنضع فيها جذور الشتلة . ثم باستعمال المجرفة بحذر ، نقتلع الشتلة دون الإضرار بها .هيا خذ المعول واحفر ، وإياك أن تؤذي نفسك!"
- وقفت أختي تراقب ضرباتي الخرقاء بالمعول على سطح التربة . ضحكتْ من جهلي ، فأمسكتِ المعول ثم قالت : " تنح جانباً وانظر كيف أفعل !!"
ذهلت من إتقان أختي لاستعمالها للمعول ، وقررت أن أتعلم وأتقن الحفر به أنا أيضاً منذ اليوم .
-" أرجوك يا شيماء ، دعي المعول لي سأتقن العمل به هذه المرة !"
حاولت جاهداً ، وفي كل مرة تكون الضربة أحسن من سابقتها . انتهينا من حفر المكان الجديد لشتلتي ، قمنا بنقلها من مكانها السابق ، لفننا حول ساقها خيطاً وقطعة خشب . رويناها ، ثم وضعنا حولها بعض أغصان الشوك كي لا تصل إليها مناقير الدجاج أو ألسنة الخراف النهمة ولا حوافر الماعزات المتهورة .
- " متى ستثمر يا شيماء شجرتنا هاته ؟ "
- " بعد أربع سنوات من الآن ، مع طلائع الربيع . آه ما أعطر رائحة ياسمينها ، وما أجمل براعمها وهي تتفتح !!"
سعدت بما قمنا به أنا وأختي ، ودهشت من كم المعلومات التي تمتلكها أختي رغم أنها لا تكبرني إلا بسنتين !لم أتوان في سؤالها : كيف تعرفين كل هذا يا شيماء ؟؟ "
- " أستفيد من الأوقات التي أقضيها أمام شاشة الحاسوب ، ولا أضيع كل الوقت في الألعاب الالكترونية !!!"
خجلت من جواب أختي ووعدت نفسي ألا أضيع كل الوقت بعد الآن في غير الأشياء المفيدة .