بسم الله الرحمان الرحيم
سلام تام
للمسجد أثر كبير على النشء وخاصة إذا تعودوا منذ صغرهم على ارتياد المساجد بصحبة آبائهم، فالمسجد محضن تربوي ذو أثر عظيم يحافظ على الفطرة وينمي الموهبة ويربط النشء بربه من أول ظهور الإدراك وعلاقات التمييز، ويطبع فيه المثل والقيم والصلاح بتأثير من الصالحين والخيرين ورواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة.
كما يقوم المسجد بتدريب الطفل على النظام ويعلمه كيف يتعامل مع الآخرين من خلال المشاركة الاجتماعية والاختلاط بفئات المجتمع، فينشأ على الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية والشجاعة، لأنه يختلط بالكبار ولا يهابهم ويتعلم الاطمئنان النفسي ويتربى على النظام من خلال الصفوف المتراصة للصلاة، فيكون إنطبعاها في نفسه الترتيب والنظام ويشهد طاعة المأموم لإمامه، ويرى احترام الصغير للكبير، فتكبر هذه المفاهيم وتشب معه. وكانت صلة الأطفال الصغار بالمسجد في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين من بعده، صلة قوية وثيقة نماها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من خلال أفعالهم وتوجيهاتهم.
وقد يعترض البعض على وجود الأطفال في المساجد بحديث ضعيف مفاده: «جنبوا مساجدكم صبيانكم».. وقد عارض الشوكاني هذا الحديث، بحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال:« رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يؤم الناس وأمامه بنت أبي العاص ابنة زينب بنت رسول الله على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها «، قال الشوكاني: والحديث يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه، من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمأموم والإمام، لما في الصحيح من زيادة «وهو يؤم الناس في المسجد»
وإذا جاز ذلك في حالة الإمامة في الصلاة الفريضة جاز في غيرها ومن فوائد هذا الحديث جواز إدخال الصبيان المساجد، ومما يؤكد ذلك حديث أبي هريرة قال: (كنا نصلى مع النبي (صلى الله عليه وسلم) العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع أخذهما من خلفه أخذاً رفيقاً ويضعهما على الأرض)، وحديث أنس: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتن أمه».
وعندما يأخذ المسجد مكانة الطبيعي الذي بنى من أجله وأراده الله له يصبح من أعظم المؤثرات التربوية في تربية الأطفال والناشئين وتكوينهم، حيث يرون الراشدين مجتمعين على الله فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم والاعتزاز بالجماعة الإسلامية، وفيه يسمعون الخطب والدروس العلمية فيبدأون بوعي العقيدة الإسلامية، وفهم هدفهم من الحياة وما أعدهم الله له في الدنيا والآخرة وفيه يتعلمون القرآن ويرتلونه فيجمعون بين النمو الفكري والحضاري بتعلم القراءة ودستور المجتمع الإسلامي والنمو الروحي والارتباط بخالقهم، وفيه يتعلمون الحديث والفقه وكل ما يحتاجونه من نظم الحياة الاجتماعية، كما أراد الله أن ينظمها للإنسان.
فالمسجد يعلم الناشئين أن كل أمور الحياة تابعة للارتباط بالله وإخلاص العبودية لله وينغرس هذا المعنى في نفوسهم عفواً من غير قصد ولا تكلف، وفي الصلاة تتجسد كثير من مزايا الأخلاق التي تسوغ الشخصية المسلمة السوية، ومن ذلك قيمة العزة والتي تجسد أسمى معاني الأخلاق وكذلك صفة الرحمة، وهي الصفة التي اختارها الله لعباده دون سائر صفاته في فاتحة الكتاب (الرحمن الرحيم)، فيبتعد النشء عن الرياء والسمعة والكذب وتناقض الفعل والقول.
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلى ويجيء الحسن بن علي وهو صغير فكلما سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) وثب على ظهره ويرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه رفعاً رفيقاً حتى يضعه على الأرض. ومن هنا فالواجب أن نستعين بكل وسيلة من شأنها أن تشوق الطفل إلى المسجد وتحببه إليه، ونحذر من كل أسلوب من أساليب التنفير من المسجد ولا عبرة للذين يرون إبعاد الأطفال وأبناء المصلين عن المساجد وخاصة إذا وجد من يهتم بهم وينظم وجودهم ويعلمهم ويربيهم ويرشدهم، وذلك لأن مفسدة إنحراف الأطفال بإبعادهم عن المساجد أخطر من مصلحة الحفاظ على أثاث المسجد أو الهدوء فيه.
وحتى تتحقق مصلحة تربية الأطفال وتكوينهم من خلال المساجد، لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمين على المساجد ومنها:
1ـ أن يشجعوا الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد وتعليمهم النظافة والنظام وأن يراقبوهم ويوجهوهم لما فيه صالحهم.
2ـ أن يجد الأطفال والصغار من يرشدهم وينظم جلوسهم ويقيم لهم المناشط التي تتفق وأعمارهم.
3ـ أن يتحبب العاملون في المساجد للأطفال وأبناء المصلين بالبسمة ورحابة الصدر وأن يجذبوهم للمساجد ولا ينفروهم منها.
إن الهدف من تربية الأطفال التربية الإسلامية ليس تزويدهم بالمعلومات والآداب الإسلامية فحسب بل إطلاع الأطفال على المعنى الأعمق للحياة والعالم من حولهم، والأخذ بأيديهم إلى الطريق الذي يؤدي إلى تنمية متكاملة لكافة جوانب الشخصية ومساعدتهم على التصدي لمشكلات الحياة الشخصية والاجتماعية.