1- بيان عجز الآلهة المدعوة من دون الله:
{ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا
لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحج الآية: 73، 74).
يبين
تبارك وتعالى لعباده أن هذه الآلهة المزعومة المدعوة من دونه عاجزة
وضعيفة فلو اجتمعت كلها لإيجاد مخلوق حقير مثل الذباب لا تستطيع ذلك. بل
إن الذباب الحقير لو أخذ منه شيئاً من حقير المطاعم، وطار به، لما
استطاعوا إنقاذه منه وهذا يؤكد عجز هذه الآلهة وضعفها أمام هذا المخلوق
الضعيف { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }.
أفمن كانت هذه صفته يصلح لأن يعبد ليَرْزق ويسْتَنصر، إذاً فالغارقون في
عبادة هذه الأوثان، لم يقدروا الله حق قدره وهو القوي العزيز. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة الآية: 21).
2- بيان أن الخلق عنوان العبادة:
{ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } (النحل الآية: 17).
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } (لقمان الآية: 11).
{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } (الأنعام الآية: 102).
وقد
تعددت الآيات التي تنبه عقول المخاطبين وتبين لهم بأن أولئك الشركاء
المدعوين مع الله لا يستطيعون تقديم شيء لمن دعاهم، بل إنهم عاجزون عن
نصرة أنفسهم فيما إذا اعتدى عليهم فكيف يسوغ دعاؤهم عند أصحاب العقول
والفطر السليمة. يقول تعالى: { أَيُشْرِكُونَ مَا لا
يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً
وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا
يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ
صَامِتُونَ. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ
أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ. أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ
يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ
آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا
تُنْظِرُونِ. إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ
يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا
يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ
تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ
إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } (الأعراف الآية: 191-198).
فهذه
الآيات تضمنت الإنكار الشديد من الله تبارك وتعالى على المشركين الذين
يعبدون مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان، إذ كيف يسوغ لمخلوق
منحه الله العقل والسمع والبصر أن يعبد مخلوقاً مثله، مصنوع مربوب لا يملك
لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا يملك من الأمر شيئاً. بل إن أكثر هذه المعبودات
جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم
وبطشهم، ولهذا قال: أيشركون به من المعبودات مالا يخلق شيئاً ولا يستطيع
ذلك .. .
ثم يتابع تبارك وتعالى بيان ضعف هذه الآلهة فيقول: { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }
(الأعراف الآية: 192). فهي لا تستطيع نصر عابديها، بل ولا نصر أنفسها ممن
أرادها بسوء كما كان الخليل عليه السلام يحطم أصنام قومه التي يعبدونها: {
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ } (الصافات الآية: 91- 93). { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } (الأنبياء الآية: 58).
ولننظر
لقصة عمرو بن الجموح سيد قومه مع صنمه الذي كان يعبده، ويطلب منه أن يدفع
عن نفسه الشر إن كان فيه خيراً بعد أن يقدم له السلاح. وكان من خبره أن
له صنماً في داره اتخذه من خشب سماه مناة كما كانت الأشراف يصنعون تتخذ
إلهاً تعظمه وتطهره، فكان يطيب صنمه هذا وينظفه. فلما أسلم فتيان بني سلمة
معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح في فتيان منهم، ممن أسلم وشهد
العقبة، كانوا يَدْلجون بالليل على صنم عمرو فيحملونه فيطرحونه في بعض
حفر بني سلمة، وفيها عذر الناس منكساً على رأسه، فيلتمسه فيرى ما صنع به،
فيغسله ويطيبه، ثم يقول: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه. فإذا
نام وأمسى عمرو، عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك، فيغدوا فيجده في مثل ما كان
فيه من الأذى. فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه، فغسله وطهره
وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما
ترى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو عدوا
عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل. ثم
ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عذر من عذر الناس ثم غدا عمرو بن
الجموح فلم يجده في مكانه الذي كـان به، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر
منكساً مقروناً بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من رجال
قومه، فأسلم وحسن إسلامه.
فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة:
والله لو كـنـت إلها لـم تـكـن أنت وكلب وسط بئر في قـرن
أف لملقـاك إلهـا مسـتدن الآن فتشـناك عن سـوء الغبن
الحمـد لله العلـي ذي المنن الواهب الرزاق ديـان الـدين
هو الذي أنقـذني من قبـل أن أكـون في ظلمـة قبـر مرتهن
بأحمـد المهـدي النبي المرتهـن
كما
بين سبحانه في هذه الآيات أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها. ولا
تبصر من تقرب إليها، فلا فرق بين دعائكم إياها وعدم دعائكم في أنها لا
تسمع ولا تجيب { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } (الأعراف الآية 193) ذلك أنهم عباد الله أمثالكم.
وكما قال إبراهيم عليه السلام لأبيه كما حكى الله ذلك عنه: {.. يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً } (مريم الآية: 43).
وأخيراً
يوجه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن بين لهم ضعف آلهتهم وعجزها
تحدياً لأن يجتمعوا هم وشركاؤهم فيكيدون له إن استطاعوا. { قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ } (الأعراف الآية: 195).
وذلك
لأنه لا يعبد إلها عاجزاً مثل آلهتهم وإنما إلهه ومعبوده ووليه هو الله
جل جلاله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين بالنصر والتأييد. أما آلهتهم
فلا تستطيع أن تعمل من ذلك شيئاً لأنها لا تسمع ولا تبصر وإن مثلت بصورة
من يسمع ويبصر.
{
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ
نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى
الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا
يُبْصِرُونَ } (الأعراف الآية: 196، 198). وهكذا يسلك القرآن الكريم
هذا المسلك ليقطع طمع هؤلاء في التعلق بهذه المعبودات فيبين لهم عجزها من
الواقع المحسوس لهم، فكما أنها لا تستطيع إيجاد ذباب، ولا أن تستنقذ منه
ما سلبه منها، ولا تستطيع نصر أحد ولا تدفع الضر عن نفسها، فكذلك هي أوهى
من بيت العنكبوت.
{ مَثَلُ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ
الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ
الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } (العنكبوت الآية: 41).
ب- بيان أنهم عند الشدة يلجؤون إلى الله وحده:
فيلزمهم أن يخلصوا له الدين دائماً.
قال تعالى: {هُوَ
الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا
جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ
فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (يونس الآية: 21-22).
هكذا
كان حالهم، ففي حال الرخاء يشركون بالله تعالى، أما في حال الأزمات
والضيق والشدة فيعلمون أن المفرج لتلك الكربات، والمنجي من تلك المهلكات
هو الله العلي القدير، فيخلصون له العبادة فلا يدعون معه غيره، كما قال: {
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } (الإسراء الآية: 67). { قُلْ
مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ
ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} (الأنعام الآية: 63، 64).
وفرعون
واحد من هؤلاء فقد رفض الإيمان بإله موسى. وحين رأى الهلاك وأدركه الغرق،
انجلى عن الفطرة ما كان قد شابها، فكرر الإيمان ثلاثاً علّه يستجاب له
فينجو، ولكن كان ذلك في وقت لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
قال تعالى: { وَجَاوَزْنَا
بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ
بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا
مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (يونس الآية: 90).
ولكن الله يقول: { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } (النساء الآية: 18).
ولذلك قال له: { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (يونس الآية:91).
وفى الحديث: عن عمر أن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: كم تعبد اليوم إلها؟
قال: سبعة... ستة في الأرض واحد في السماء.
قال: فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك؟
قال: الذي في السماء.
قال: أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك، فلما أسلم الحصين.
قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني.
قال: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي .
وإذا كانوا يخلصون لله العبادة في حال الشدة فيلزمهم أن لا يشركوا في حال الرخاء لأن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان خالصاً.
كما قال: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} (الزمر الآية: 2-3).
وفي الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" .